متلازمة مارفان – أحد اضطرابات النسيج الضام الجينية

متلازمة مارفان Marfan Syndrome هي اضطراب وراثي يؤثّر بشكل أساسي على النسيج الضام، مما يؤدّي إلى مجموعة كبيرة من الأعراض والمضاعفات نتيجة إصابة طيف واسع من الأعضاء كالجلد والقلب والعينين والأوعية الدموية والعظام والغضاريف، وقد تكون بعض الحالات مهددة للحياة.

وفي هذا المقال سنتحدث عن المتلازمة وأسبابها وأعراضها وتشخيصها، كما سنتكلم عن نوعيّة حياة المصابين بها وفرصهم في الحياة، بالإضافة لمجموعة علاجات منزليّة وطرق ونصائح للتأقلم ولتحسين نمط الحياة.

ما هي متلازمة مارفان؟

في البداية يجب معرفة أنّ النسيج الضام Connective Tissue هو أحد أنواع الأنسجة الأربعة الرئيسيّة في جسم الإنسان، وهو مسؤول عن إعطاء الدّعم والقوّة والمرونة لمختلف الأنسجة كالأوتار والغضاريف وصمامات القلب والأوعية الدموية وحتى الجهاز العصبي.

وتعرف متلازمة مارفان بأنّها اضطراب وراثي يؤثّر على النسيج الضام، حيث تفتقر الأنسجة الضامّة عند المصاب إلى القوّة بسبب تركيبها الكيميائي غير الطبيعي، وبالنتيجة ستتأثّر أعضاء عدّة.

ما مدى انتشار متلازمة مارفان حول العالم؟

يتراوح معدل الإصابة بالمتلازمة من شخص واحد لكل 5000 شخص إلى 2-3 أشخاص لكل 10000 شخص، وقد تمَّ العثور على حالات إصابة في جميع الأعراق والأجناس.

ما هي أسباب حدوث متلازمة مارفان؟

تنجم متلازمة مارفان نتيجة خلل في الجين المسؤول عن تشفير بنية بروتين الفيبريلين Fibrillin والألياف المرنة والكولاجين والتي تعد مكونات رئيسية في النسيج الضام، ويدعى هذا الجين بfibrillin-1 أو FBN1.

وتعد هذه المتلازمة اضطرابًا وراثيًا من نمط الوراثة الجسدية السائدة، مما يعني أنّ نسبة الإصابة متساوية ما بين الذكور والإناث، وتنتقل من أحد الأبوين المصابين إلى الأبناء حيث يمكن أن ينقل المصاب المتلازمة بنسبة 50% لكل ابن من أبنائه.

أحيانًا وبنسبة 25% من الحالات، يحدث خلل جيني جديد لسبب مجهول مما يؤدي إلى الإصابة بالمتلازمة.

ما هي أعراض متلازمة مارفان وما هي السمات الظاهرية للمصاب؟

تتميّز متلازمة مارفان بصفة الانحياز الوافر Pleiotropy وهي حدوث تأثيرات مرضيّة متعددة في النمط الظاهري للمرض نتيجة خلل في مورّثة واحدة، كما تتميّز بصفة التعبير المتغيّر Variable Expression، مما يعني أنّ شدّة الإصابة تختلف ما بين المصابين وتتراوح ما بين أعراض خفيفة إلى حالات مهددة للحياة، وتميل عمومًا إلى التفاقم مع التقدّم بالعمر.

وتشمل أعراض المتلازمة ما يلي:

تغيّرات في المظهر الخارجي

تضم سمات جسميّةً ظاهرة منها:

  • وجه طويل ضيّق.
  • بنية جسم طويلة ورفيعة.
  • الذراعين والساقين وأصابع اليدين والقدمين طويلة جدًا بالنسبة لبقية الجسم.
  •  انحناء في العمود الفقري، حيث إنّ 60% من المصابين بمتلازمة مارفان مصابين بالجنف Scoliosis.
  • عظم قص غائر، أو بروز عظم القص في الصدر.
  • ضعف المفاصل وسهولة خلعها.
  • قدم مسطحة Flat Feet.
متلازمة مارفان..تعرّف على أحد اضطرابات النسيج الضام الجينية
الجنف عند المصاب بمتلازمة مارفان
متلازمة مارفان..تعرّف على أحد اضطرابات النسيج الضام الجينية
القدم المسطحة عند المصاب بمتلازمة مارفان

مشاكل في الأسنان

تشمل مشاكل الأسنان ما يلي:

  • ازدحام الأسنان.
  • حنك (سقف الفم) مقوّس، ضيّق، وأعلى من الطبيعي.

مشاكل عينية

يعاني أكثر من نصف المصابين بالمتلازمة من مشاكل عينية، وتشمل:

  • قصر النظر (عدم القدرة على رؤية الأشياء البعيدة بوضوح).
  • خلع عدسة العين وهو انفصال وانزياح للعدسة عن موضعها الطبيعي.
  • الساد Cataracts (إعتام عدسة العين).
  • اختلاف في شكل العين.
  • انفصال الشبكية.
  • الزَّرَق.

مشاكل في القلب والأوعية الدموية

يعاني 90% من المصابين بمتلازمة مارفان من مشاكل قلبية ووعائية، وتضم ما يلي:

  • أم الدم الأبهرية، حيث تصبح جدران الشريان الأبهر وهو أكبر شريان رئيسي مسؤول عن نقل الدم من القلب إلى أنحاء الجسم ضعيفة، ومع الوقت وبسبب ضغط الدم عليها تنتفخ وتتوسّع ومن الممكن أن تتمزّق خاصّةً عند جذر الشريان الأبهر وهي المنطقة التي يغادر منها الشريان الأبهر القلب مما يضع المصاب تحت حالة شديدة الخطورة.
  • تسلّخ الأبهر: تتألّف جدران الشريان الأبهر من ثلاث طبقات، وفي هذه الحالة يحدث التمزّق في الطبقة الداخلية، ويندفع الدم من الثقب المتمزّق مسبّبًا انفصالًا في الطبقات الداخلية والوسطى للجدار، وغالبًا ما تؤدي هذه الحالة إلى الوفاة إذا اندفع الدم خارج جدار الشريان. 
  • مشاكل في صمامات القلب: تسبب متلازمة مارفان ضعفًا وتمدّدًا في أنسجة الصمامات، وبالتالي لن تنغلق هذه الصمامات بإحكام كما يجب، مما يؤدي إلى حدوث تسرّب ورجوع للدم ويدفع القلب للعمل بشدّة للتعويض، وعادةً ما يتأثّر الصمام التاجي.
  • تضخّم القلب: يتضخّم القلب ويضعف بمرور الوقت، مما يؤدي إلى اعتلال عضلة القلب وقصور القلب.
  • عدم انتظام ضربات القلب: قد يحدث عدم انتظام في ضربات القلب لدى المصابين، وغالبًا ما يكون مرتبطًا بتدلِّ الصمام التاجي.
  • أم الدم الدماغية: قد يكون لدى المصابين بمتلازمة مارفان حالات نزيف داخل الجمجمة ناجمة عن تمزّق أم الدم الدماغية.

تغيّرات في الرئتين

تزيد التغيّرات الحاصلة في أنسجة الرئتين من خطر حدوث ما يلي:

  • الربو.
  • مرض الانسداد الرئوي المزمن COPD.
  • النفاخ الرئوي Emphysema.
  • التهاب قصبات.
  • التهاب رئوي.
  • انهيار الرئة (استرواح الصدر Pneumothorax).

تغيّرات جلدية

يصبح الجلد أقل قدرةً على التمدد، مما يؤدي إلى ظهور علامات التمدد Stretch marks عليه حتى دون حدوث تغيّر في وزن المصاب.

كيف يتم تشخيص متلازمة مارفان؟

تكون متلازمة مارفان موجودة لدى المصاب منذ الولادة، إلا أنّه قد لا يتم تشخيصها حتى سن المراهقة أو بعد البلوغ، ويعد تشخيصها أمرًا صعبًا وتحديًا بالنسبة للأطباء نظرًا إلى أنّه بالرغم من وجود الخلل الجيني ذاته عند جميع المصابين، تتباين شدّة الأعراض فيما بينهم، كما تتشابه أعراضها مع غيرها من المتلازمات.

في بداية عملية التشخيص يجب معرفة التاريخ الطبي والقصة السريرية للمريض، بالإضافة للسؤال عن التاريخ العائلي والإصابات السابقة بالمتلازمة لدى أفراد الأسرة في حال وجودها.

ويستخدم في التشخيص عدّة وسائل منها:

اختبارات القلب

غالبًا عند الشك بالإصابة بمتلازمة مارفان يوصي الطبيب في البداية بمخطط صدى القلب، حيث يستخدم هذا الاختبار الموجات الصوتية لالتقاط صور للقلب أثناء حركته، مما يتيح التحقق من حالة الصمامات وعملها، ومن حجم الشريان الأبهر (الأورطي)، كما من الممكن طلب تصوير بالرنين المغناطيسي MRI، التصوير المقطعي المحوسب CT scan، مخطط كهربية القلب ECG للتحقق من معدل ضربات القلب، وتصوير الصدر بالأشعة السينية لرؤية حدود القلب.

وفي حال تم تشخيص المتلازمة عند أحد الأشخاص، سيحتاج إلى اختبارات مراقبة وتصوير منتظمة لحجم وحالة الشريان الأبهر.

اختبارات العين

تشمل فحوصات العين ما يلي:

  • فحص المصباح الشقّي: يتحقق هذا الاختبار من خلع العدسة، أو السّاد (إعتام عدسة العين)، أو انفصال الشبكية، ويتم باستخدام قطرات موسّعة لحدقة العين.
  • اختبار ضغط العين، للتحقق من الإصابة بالزَّرَق (الغلوكوما)، وقد يقيس الطبيب الضغط داخل مقلة العين عن طريق لمسها بأداة خاصة، وتُستخدم عادةً قطرات مخدّرة قبل إجراء هذا الفحص.

اختبارات جينيّة

يستخدم الاختبار الجيني لتأكيد الإصابة بالمتلازمة عن طريق البحث عن وجود طفرة مارفان لدى الفرد.

ما هو علاج وتدبير متلازمة مارفان؟

لا يوجد علاج لمتلازمة مارفان ذاتها، بل يهدف العلاج إلى الوقاية من المضاعفات المختلفة الممكنة، وبذلك سيحتاج المصاب إلى القيام بفحوصٍ منتظمةٍ للكشف عن وجود أضرار أو علامات دالّة على تقدّم المرض. 

يشرف على العلاج عدد كبير من المتخصصين مثل أطباء القلب وعلماء الوراثة والجرّاحين وأطباء العيون والأسنان وغيرهم نظرًا لتنوّع الأعراض، وتشمل أهم العلاجات ما يلي:

الأدوية 

غالبًا ما يصف الأطباء أدويةً خافضةً لضغط الدم لمنع تضخّم وتمدد الشريان الأبهر ولتقليل خطر الإصابة بالتسلّخ والتمزّق، وتضم أهم الأدوية:

  • حاصرات بيتا Beta Blockers: حيث تعمل على تقليل قوّة ضربات القلب والضغط داخل الشرايين وتساعد على استرخاء القلب، تُوصَف حاصرات بيتا في سن مبكّرة، وقد يستعاض عنها بحاصرات الكالسيوم تجنّبًا لتأثيراتها الجانبيّة أو في حال كان المصاب ممنوع من استعمالها مثل مريض الربو.
  • حاصرات مستقبلات الأنجيوتنسين: من أجل علاج ارتفاع ضغط الدم وفشل القلب.

العمليات الجراحية

الهدف من الجراحة هو منع حدوث تمزّق الشريان الأبهر وعلاج مشاكل صمامات القلب، ويعتمد قرار إجراء عملية جراحية تبعًا لعدّة عوامل وهي:

  • حجم الشريان الأبهر.
  • معدّل زيادة تضخّم الشريان الأبهر أو نمو أم الدم الأبهرية.
  • عمر المصاب وطوله وجنسه.
  • التاريخ العائلي الخاص بمرض تسلّخ الأبهر.

ويتم استبدال المنطقة المتمددة أو المتضخّمة من الشريان الأبهر بطُعم (أنبوب نسيجي) عبر طريقتين:

  • الطريقة التقليدية: حيث يتم استبدال قسم الشريان الأبهر المتضخّم بطُعم، ويتم استبدال الصمام الأبهري بصمام ميكانيكي.
  • طريقة إعادة الزرع، وتعتمد على استبدال قسم الشريان الأبهر بالطعم النسيجي مع الإبقاء على الصمام الأبهري.

وتحتاج المشكلات الأخرى في الأعضاء والأجهزة المختلفة إلى علاج خاص بكلٍّ منها مثل علاج الجنف، تصحيحات عظم الصدر الغائر المقعر أو البارز، العمليات الجراحيّة للعيون في حالة انفصال الشبكية، واستبدال العدسة الضبابية بعدسة صناعيّة في حال إعتام عدسة العين (السّاد)، بالإضافة لتصحيح مشاكل الرؤية بالنظارات الطبيّة المناسبة.

ما هو متوسط العمر المتوقّع للمصابين بمتلازمة مارفان؟

بسبب الفهم الأفضل للمتلازمة والتقدّم الطبي وخاصّة في جراحات القلب بدأ متوسط العمر المتوقّع للمصابين بالمتلازمة في الارتفاع في أواخر السبعينيّات، حيث كان العمر المتوقّع للمصاب في الماضي هو 32 عامًا، بينما الآن يمكن أن يعيش المصاب بمتلازمة مارفان حتى عمر ال72 عامًا، ويعتمد ذلك بشكل أساسي على التشخيص المبكر والمتابعة المنتظمة والتقنيّات الجراحيّة الآمنة.

كيف تؤثّر الإصابة بمتلازمة مارفان على حياة المصابين؟

يجب استشارة الطبيب لتحديد ما هو مسموح أو ممنوع بالنسبة للمصاب، ويجب اتباع بعض الإجراءات الوقائية لضمان أفضل حالة صحيّة.

  • النشاطات الرياضية والبدنيّة: يجب على المصابين بالمتلازمة خاصّةً في حال وجود أم دم أبهرية تجنّب بعض الأنشطة المعيّنة والرياضات التنافسيّة مثل رفع الأثقال، والالتزام برياضات آمنة مثل المشي السريع، والتنس، والغولف.
  • الحمل والإنجاب: نظرًا لإمكانية انتقال متلازمة مارفان إلى الأبناء، يجب الحصول على استشارة وراثيّة قبل الحمل، بالإضافة إلى ضرورة المتابعة الدقيقة للحامل عن طريق فحوصات ضغط الدم ومخططات صدى القلب لأنّ الحوامل مهددين بخطر حدوث تمدد في الشريان الأبهر بسبب إجهاد الحمل وارتفاع الضغط.
  • الوقاية من التهاب شغاف القلب: يقع المصابون بالمتلازمة في خطر حدوث التهاب شغاف جرثومي لا سيّما بعد الخضوع لعملية جراحية في القلب.

بعض النصائح للتأقلم والدعم 

قد يكون التعايش مع اضطراب وراثي أمرًا صعبًا للغاية لكل من البالغين والأطفال، وقد يتساءل المصابون عن التأثيرات الحاصلة على حياتهم المهنية والاجتماعية وعلاقاتهم، وقد يقلقون بشأن نقل الجين إلى أبنائهم.

ويكون الوضع أكثر صعوبة بالنسبة للشباب، بسبب تأثير المرض على المظهر والمهارات الحركية والأداء الأكاديمي.

وبالتالي يجب تزويد المصابين والأطفال بالدعم العاطفي والعمل على تعزيز ثقتهم بنفسهم، 

بالإضافة لعدم إهمال الإجراءات التجميلية وتجاهل أهميتها بالنسبة للمصاب، بل تقديم مجموعة حلول عمليّة لبعض المشكلات كاستخدام العدسات اللاصقة بدلًا من النظّارات الطبيّة، استخدام دعامة لعلاج الجنف، تصحيح مشكلة تزاحم الأسنان، اختيار ملابس مناسبة لبنية المصاب، وأخيرًا الانضمام لمجموعات دّعم نظرًا لفائدة التحدّث مع الآخرين عن التحديات المشتركة فيما بينهم.

بعض الشخصيات البارزة المصابة بالمتلازمة

  • أبراهام لينكولن: وهو الرئيس الأمريكي السادس عشر.
  • يوليوس قيصر: مؤلّف وقائد عسكري وجنرال روماني شهير.
  • برادفورد كوكس: موسيقي شهير أمريكي الجنسية.
  • مايكل فيلبس: سبّاح أمريكي الجنسية سجل الرقم القياسي في الفوز بأكبر عدد ميداليات.
  • أيزاياه أوستين: لاعب كرة سلة أمريكي الجنسية.
  • سيرجي رخمانينوف: عازف بيانو وملحّن روسي الجنسية.
  • الفرعون الحادي عشر من الأسرة الثامنة عشر في مصر.
  • نيكولو باغانيني: عازف كمان إيطالي الجنسية.
متلازمة مارفان..تعرّف على أحد اضطرابات النسيج الضام الجينية
أبراهام لينكولن الرئيس الأمريكي السادس عشر وأحد المصابين بمتلازمة مارفان

وأخيرًا وبعد أن كان مرضى متلازمة مارفان يموتون بأعمار صغيرة، أصبح من الممكن لهم العيش حياة نشطة وصحيّة بمتوسط عمر متوقّع مماثل لعامة السكان، وقد كان كل ذلك ثمرة للتقدّم الطبّي والعناية المستمرة بالمصابين، آملين بمستقبل أفضل للجميع.

المراجع

د. رزان عرب حمو
د. رزان عرب حمو

طالبة طب بشري ومسعفة حاصلة على شهادتين بالإسعافات. مترجمة متقنة للغة الإنجليزية شاركت ضمن عدّة أحداث مثل Hult Prize Damascus University وTEDx AlAmal Street. أهم أهدافي هي نقل الثقافة الطبية الصحيحة والمعلومات بأسهل وأبسط الطرق لمختلف الأشخاص.

المقالات: 35

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة عشر − 4 =