فهرس المحتوى
النوبة الإقفارية العابرة Transient Ischemic Attack (اختصارًا TIA) أو السكتة الدماغية المصغرة (Mini Stroke)، هي اضطراب مؤقت في إمداد الدم إلى أحد أجزاء الدماغ وبالتالي نقص كمية الأكسجين الواردة إليه، يمكن أن تسبب النوبة الإقفارية العابرة أعراضًا مفاجئة مشابهة للسكتة الدماغية، لكنّها لا تدوم طويلًا، وتستمر تأثيراتها لبضع دقائق إلى ساعات فقط وتختفي تمامًا في غضون 24 ساعة دون أن تسبب ضررًا دائمًا.
وتعدّ هذه النوبة بمثابة تحذير من احتمال الإصابة بسكتة دماغية قادمة، مما يجعل أهمية التعرّف عليها وكيفية الوقاية من السكتة الدماغية غاية في الأهمية وهدف أساسي لهذه المقالة.
ما هي النوبة الإقفارية العابرة؟
يقوم الدم بنقل الأكسجين إلى جميع أجزاء جسم الإنسان، وتحتاج الخلايا هذا الأكسجين بشكل أساسي للقيام بعملها والبقاء على قيد الحياة، في حال توقّف تدفّق الدم في أي مكان في الجسم، سيتسبب ذلك بمشاكل كبيرة وتموّت للخلايا في تلك المنطقة.
يُشار إلى النوبة الإقفارية العابرة بالسكتة الدماغية المصغرة، فهي تحدث عندما ينقطع إمداد الدم إلى أحد أجزاء الدماغ لفترة قصيرة، ولكنّها وعلى عكس السكتة الدماغية لا تؤدي إلى ضرر دائم نظرًا إلى أنّ الخلايا في الدماغ لا تتموّت بفعلها.
ما هي السكتة الدماغية؟
تحدث السكتة الدماغية عندما ينقطع إمداد الدماغ بالدم، إما بسبب تمزّق أحد الأوعية الدموية في الدماغ (السكتة الدماغية النزفية)، أو عندما يكون هناك انسداد مسؤول عن قطع إمداد الدم (السكتة الدماغية الإقفارية)، وعندها ستُحرم خلايا الدماغ من الأكسجين وتتموّت.
ما مدى انتشار النوبة الإقفارية العابرة وما علاقتها بالسكتة الدماغية؟
تعتبر النوبة الإقفارية العابرة علامة تحذير من السكتات الدماغية محتملة الحدوث في المستقبل وفرصة للوقاية منها، حوالي 1 من كل 3 أشخاص مصابين بنوبة إقفارية عابرة سيُصابون في النهاية بسكتة دماغية، ويحدث نصف حالات الإصابة بالسكتة في غضون عام بعد النوبة.
وتشير التقديرات إلى أنّه يعاني حوالي 240 ألف شخص بالغ في الولايات المتحدة الأمريكية من نوبة إقفارية عابرة كل عام، ويعاني ما لا يقل عن 690 ألف شخص بالغ آخر من سكتة دماغية، وحوالي 15% من المصابين بالسكتة أُصيبوا بنوبة إقفارية عابرة سابقة، مما يجعل المرضى المصابين بنوبة إقفارية عابرة تحت خطر الإصابة بالسكتة في غضون أيام إلى الأسابيع التالية للنوبة.
ما هي أسباب النوبة الإقفارية العابرة؟
تشابه أسباب النوبة الإقفارية العابرة أسباب السكتة الدماغية الإقفارية، وغالبًا ما يكون السبب الكامن وراء حدوثها هو تصلب الشرايين، حيث تتراكم ترسّبات دهنية محتوية على الكوليسترول (لويحات) في أحد الشرايين أو فروعها المسؤولة عن إمداد الدماغ بالأكسجين والمغذّيات وتقلّل من تدفّق الدم عبر الشريان، أو تؤدي إلى تشكيل جلطة، وتنتقل هذه الجلطة الدموية من أي جزء في الجسم (خاصّةً القلب) إلى شرايين الدماغ مسببةً انقطاع الوارد الدموي.
ولا يقتصر سبب الانسداد على الجلطات الدموية وتراكم المواد الدهنية فقط، بل من الممكن أن يحدث بسبب فقاعات الهواء أيضًا (انصمام هوائي).
عوامل خطر الإصابة بالنوبة الإقفارية العابرة
يمكن أن تزيد بعض العوامل من خطر الإصابة بنوبة نقص التروية، وتصنف هذه العوامل إلى ما يلي:
عوامل خطر لا يمكن التحكّم بها
من المفيد معرفة ما هي هذه العوامل حتى لو لم نستطع التحكّم بها، وتضم ما يلي:
- العمر: تزداد احتمالية الإصابة بشكل كبير مع التقدم بالعمر، خاصة بعد تجاوز عمر الـ55 عامًا.
- التاريخ العائلي: تزداد فرصة الإصابة في حال وجود تاريخ إصابة بنوبة إقفارية أو سكتة دماغية لأحد أفراد العائلة (أحد الأجداد أو الوالدين أو الأخوات).
- إصابة سابقة بنوبة إقفارية عابرة: في حال وجود إصابة سابقة ستزداد فرصة تكرار النوبة والإصابة بسكتة دماغية.
- العرق: حيث إنّ المنحدرون من إفريقيا، جنوب آسيا، ومنطقة البحر الكاريبي لديهم فرصة أكبر للإصابة.
- الجنس: حيث تعدّ النساء أكثر عرضة للإصابة من الرجال خاصة مع التقدم بالعمر.
عوامل خطر ناتجة عن مشاكل صحية
يمكن أن تزيد المشاكل الصحية التي يعاني منها الفرد من احتمال إصابته بنوبة إقفارية عابرة، ومن الأمثلة على هذه المشاكل ما يلي:
- زيادة الوزن.
- ارتفاع الكوليسترول.
- السكري.
- مرض الشريان السباتي Carotid artery disease: تسد فيه الترسّبات الدهنية الشرايين السباتية المسؤولة عن نقل الدم من القلب إلى الدماغ.
- الأمراض القلبية: بما في ذلك عيوب القلب، قصور القلب، عدوى في القلب، ومشاكل النظم مثل الرجفان الأذيني AFib.
- ارتفاع ضغط الدم: عمومًا يزداد خطر الإصابة مع زيادة الضغط الدم عن 90/140 ملم زئبق.
- مرض الشريان المحيطي PAD: حيث تتضيّق فيه الشرايين الطرفية وتعيق من تدفّق الدم إلى الذراعين والساقين.
- فقر الدم المنجلي SCD: تعدّ النوبة الإقفارية والسكتة الدماغية أحد الاضطرابات الشائعة والمتكررة بالنسبة لمرضى فقر الدم المنجلي، وهو حالة وراثية تصبح فيها الكريات الحمراء منجلية الشكل غير مرنة وملتصقة مع بعضها البعض بما يتوافق مع انسداد الشرايين.
- فرط الهوموسيستين: يمكن أن تؤدي المستويات العالية من هذا الحمض الأميني في الدم إلى زيادة سماكة الشرايين وتندّبها، مما يزيد من قابلية تشكّل الخثرات والجلطات الدموية.
- كوفيد-19: هناك أدلة على أنّ فيروس SARs-CoV-2 المسبب لكوفيد-19 قد يزيد من خطر الإصابة.
عوامل خطر مرتبطة بأسلوب الحياة
قد تؤثر بعض العادات التي يقوم بها الفرد يوميًا على نسبة إصابته بنوبة إقفارية عابرة، ومنها ما يلي:
- الإفراط في شرب الكحول.
- عدم ممارسة الرياضة.
- الإفراط في تناول الأطعمة المحتوية على نسب عالية من الكوليسترول والدهون المشبعة والدهون المتحولة، مع تناول القليل من الفواكه والخضراوات والألياف.
- التدخين.
- استخدام العقاقير والأدوية الترويحية، مثل الأمفيتامين والكوكايين والهيروين.
عوامل خطر خاصة بالنساء
يزداد خطر الإصابة بالنسبة للنساء في الظروف التالية:
- الحمل، لأنّ الحمل يرفع ضغط الدم ويدفع القلب للعمل بجهد أكبر.
- الإصابة بنوبات الشقيقة (صداع نصفي) والنسمة Aura.
- تناول حبوب منع الحمل (تنظيم النسل).
- العلاج بالهرمونات البديلة (HRT) لعلاج أعراض انقطاع الطمث.
أعراض الإصابة بالنوبة الإقفارية العابرة
تبدو أعراض النوبة الإقفارية العابرة وكأنّها سكتة دماغية، لكنّها تستمر لوقت قصير وتختفي عادةً خلال 24 ساعة، وانطلاقًا من ذلك عند الإصابة بنوبة إقفارية عابرة يجب التعامل معها على أنّها حالة طوارئ، حيث إنّ كل ثانية مهمة في حال كانت سكتة دماغية، وفي حال كانت نوبة إقفارية عابرة، فما زال المريض بحاجة لإجراء تقييم وفحوصات كونه عرضة للإصابة بسكتة.
ويجب التنويه إلى أنّ الشخص قد يُصاب بأكثر من نوبة واحدة، وقد تكون العلامات والأعراض مختلفة أو متشابهة حسب المنطقة المُصابة في الدماغ.
وتشمل الأعراض ما يلي:
- ارتخاء، ضعف، شلل، أو تنميل في الوجه، غالبًا في جانب واحد فقط، مع مشاكل في الابتسام.
- ضعف أو شلل أو تنميل في الذراعين والساقين في جانب واحد من الجسم، وصعوبة في رفع الأطراف.
- مشاكل التحدّث، يكون كلام المُصاب مشوّش، غير مفهوم وغير واضح.
- دوخة وفقدان التوازن والتنسيق.
- العمى أو عدم وضوح الرؤية في إحدى العينين أو كلتيهما، أو ازدواجية الرؤية.
- شلل جانب واحد فقط من الجسم.
- صداع مفاجئ وشديد.
- صعوبة في البلع.
- الارتباك وصعوبة فهم الآخرين.
كيف يتم التشخيص؟
تتوقف أعراض النوبة الإقفارية العابرة سريعًا، لكن وبالرغم من ذلك لا بدَّ من الذهاب إلى المشفى واستشارة الطبيب لمعرفة ما حدث وما سيحدث بعد ذلك فهو أمر ضروري جدًا.
تتمثل الخطوة الأولى في التشخيص بأخذ القصة السريرية كاملة، ومن ثم فحص العلامات الحيوية (كالنبض ودرجة الحرارة)، وإجراء فحصًا بدنيًا وعصبيًا، بالإضافة لاختبار الرؤية وحركات العين والكلام واللغة والقوة وردود الفعل والجهاز الحسي، والاستماع إلى تدفق الدم في مناطق مختلفة من الجسم.
في حال اشتبه الطبيب في الإصابة بنوبة إقفارية عابرة يجب معرفة سبب الانسداد الحاصل، ومن أجل ذلك قد يطلب عدة اختبارات مثل:
تصوير الشرايين
وهو نوع خاص من التصوير بالأشعة السينية، يهدف لفحص الشرايين في الدماغ.
تحاليل الدم
وتشمل تحاليل لتحرّي ارتفاع نسبة الكوليسترول، فرط هوموسيستين الدم، ومرض السكري.
قياس ضغط الدم
لكشف أي ارتفاع في ضغط الدم نظرًا إلى أنّ الضغط المرتفع يزيد من خطر الإصابة.
فحص الشريان السباتي بالموجات فوق الصوتية
يفيد هذا الاختبار في كشف أي تضيّق أو تخثّر في الشريان السباتي الموجود في العنق.
تخطيط صدى القلب
من أجل إيجاد الجلطات الدموية في القلب.
تخطيط القلب الكهربائي ECG/EKG
يستخدم هذا الاختبار لفحص النشاط الكهربائي للقلب، والبحث عن مشاكل النظم مثل الرجفان الأذيني.
التصوير المقطعي المحوسب CT scan والتصوير بالرنين المغناطيسي MRI
يستخدم كلًا منهما لمعرفة كيف أثّرت النوبة على الدماغ، ونظرًا إلى أنّ النوبة الإقفارية العابرة لا تدوم طويلًا بما يكفي لإحداث ضرر، يعد هذا الإجراء غير ضروري.
في بعض الحالات، يفيد التصوير المقطعي المحوسب والتصوير بالرنين المغناطيسي في فحص تدفّق الدم عبر شرايين العنق والدماغ، وتتبّع المشكلة في حال لم يستطع الطبيب تحديد أي جزء من الدماغ قد تأثر بالنوبة الإقفارية العابرة من خلال الأعراض.
علاج النوبة الإقفارية العابرة
بمجرد أن يحدد الطبيب سبب النوبة الإقفارية العابرة، فإنّ الهدف من العلاج هو تصحيح هذه المشكلة والوقاية من السكتة الدماغية المحتملة.
واعتمادًا على سبب النوبة، يوجد عدّة احتمالات علاجية منها:
الأدوية
يَصِف الأطباء العديد من الأدوية لتقليل احتمالية الإصابة بالسكتة الدماغية بعد النوبة الإقفارية العابرة، ويعتمد الدواء الموصوف على موقع وسبب وشدّة ونوع النوبة، وتضم الأدوية ما يلي:
مضادات الصفيحات الدموية
تجعل هذه الأدوية الصفيحات الدموية أقل عرضة للالتصاق ببعضها وتشكيل خثرة، ويعد الأسبرين أكثر هذه الادوية استخدامًا والأقل تكلفة مع أقل عدد من الآثار الجانبية المحتملة.
مضادات التخثر
تؤثر مضادات التخثر على بروتينات التخثر بدلًا من الصفيحات الدموية، وأهمها الوارفارين والهيبارين، إلا أنّه نادرًا ما يوصف الهيبارين لعلاج النوبة الإقفارية العابرة.
أدوية لمشكلات صحيّة معيّنة
يَصِف الطبيب خافضات ضغط الدم لعلاج ارتفاع ضغط الدم، والستاتينات لعلاج ارتفاع الكوليسترول.
الجراحة
استئصال باطنة الشريان السباتي
يستخدم هذا الإجراء لعلاج مرض الشريان السباتي الذي يحدث عندما تتراكم الترسّبات الدهنية والشمعية في أحد الشرايين السباتية، حيث يفتح الجراح شقًّا جراحيًا، ثم يفتح الشريان السباتي ويزيل اللويحات السادّة له ثم يغلقه.
رأب الوعاء
في بعض الحالات يستخدم إجراء يدعى برأب الوعاء السباتي، ويستخدم فيه جهاز يشبه البالون بهدف فتح الشريان المسدود ووضع دعامة فيه لإبقائه مفتوحًا، ومن ثم تتم إزالة البالون.
أساليب الوقاية وتغييرات نمط الحياة
لتقليل مخاطر الإصابة بنوبة إقفارية عابرة أو سكتة دماغية في المستقبل، اتبع النصائح التالية:
- تناول طعام صحي، تتضمن الخطوة السابقة اختيار الأطعمة الطبيعية غير المصنّعة قدر الإمكان، وتناول طعام قليل الدسم وقليل الملح وغني بالألياف، بالإضافة لتناول الخضراوات والفواكه، والحد من تناول الدهون المشبعة والدهون المتحولة والسكر.
- الحصول على نوم منتظم، كافٍ، وفي وقت معقول.
- التقليل من تناول الكحول.
- مراقبة وضبط المشاكل الصحية الأخرى، مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري والرجفان الأذيني.
- الالتزام بممارسة الرياضة، ويفضّل استشارة الطبيب لمعرفة ما هو مناسب لكل حالة.
- المحافظة على وزن صحي، مما يحسّن بدوره مشاكل الضغط والكوليسترول.
- الإقلاع عن التدخين.
- تجنّب العقاقير المحظورة مثل الكوكايين والأمفيتامين والهيروين.
- ارتداء جهاز CPAP (جهاز التهوية بالضغط الإيجابي المستمر) في حال أوصى الطبيب به، وهو جهاز خاص بالمرضى الذين تم تشخيصهم بانقطاع النفس النومي.
نصائح إضافية للنساء
يجب على النساء اتخاذ بعض الخطوات الإضافية لتجنّب الإصابة، منها ما يلي:
- الإقلاع عن التدخين خاصة في حال الإصابة بنوبات الشقيقة (الصداع النصفي).
- تحرّي ارتفاع ضغط الدم قبل تناول حبوب منع الحمل.
- ضبط ومراقبة ضغط الدم خاصةً أثناء فترة الحمل.
- إجراء الفحوص الدورية، مثل فحص الكشف عن الرجفان الأذيني خاصةً للنساء فوق عمر الـ 75 عامًا.
متى يجب طلب الإسعاف؟
عند بداية ظهور الأعراض لن نستطيع معرفة ما إذا كان الشخص قد أُصيب بنوبة إقفارية عابرة أم سكتة دماغية، وبالتالي من الضروري التماس العناية الطبية فورًا حتى إذا اختفت الأعراض أثناء انتظار الإسعاف، فما يزال التقييم في المشفى أفضل وسيلة لتقليل الإصابة بالسكتة الدماغية كون المريض معرّض لخطر الإصابة في المستقبل القريب.
وأخيرًا إذا كنت تعتقد أنّك قد أُصبت بنوبة إقفارية عابرة مسبقًا ولم تذهب لاستشارة طبيب، فمن الضروري أخذ موعد قريب لتقييم حالتك الصحيّة!
المصادر
- Transient ischemic attack (TIA) | Mayo Clinic
- What Is A TIA? | WebMD
- Transient ischaemic attack (TIA) | NHS
- Transient Ischemic Attack (TIA) or Mini Stroke | Cleveland Clinic