الصدر المقعر..تشوّه الصدر رقم 1 عالميًا من حيث الانتشار!

الصدر المقعر Pectus Excavatum، الصدر القمعي Funnel أو الغائر Sunken، هي مصطلحات لحالة مرضيّة تتمثّل بتشوّه في شكل الصدر، ورغم أنّ عظام الصدر الغائرة غالبًا ما تكون ملحوظة بعد ولادة الطفل بفترة وجيزة، إلا أنّ شدّة تقعّر القفص الصدري تزداد سوءًا خلال فترة نمو الطفل وفي عمر المراهقة.

يمكن أن تؤثر أعراض هذه الحالة على المصاب نفسيًا وجسديًا، إلا أنّ التشوّه قابل للتصحيح من خلال العمليات الجراحية، وسنتحدث في هذا المقال عن الصدر المقعر شارحين أعراضه وأسبابه وخطورته بالإضافة إلى الخيارات العلاجية المتاحة للمريض.

ما هو الصدر المقعر؟

الصدر المقعر هو حالة تشوّه مرضية يحدث فيها تطوّر غير طبيعي للقفص الصدري، حيث ينمو عظم القص (عظم الصدر) إلى الداخل بدلًا من أن يكون مسطحًا، مما يؤدي إلى ظهور فجوة ملحوظة وشديدة أحيانًا في جدار الصدر.

الصدر المقعر..تشوّه الصدر رقم 1 عالميًا من حيث الانتشار!
البنية الطبيعية للقفص الصدري وعظم القص

ما مدى شيوع حالة الصدر المقعر؟

يعد الصدر المقعر أو القمعي أكثر تشوّهات جدار الصدر شيوعًا، حيث يصيب حوالي واحد من كل 500 طفل حول العالم، ويمثّل أكثر من 90% من التشوّهات الخلقية لجدار الصدر، وتعدّ هذه الحالة أكثر شيوعًا لدى الذكور فيصيب ثلاثة أضعاف عدد الذكور من الإناث.

ما هو سبب الإصابة بالصدر المقعر؟

إنّ السبب الأساسي المسؤول عن الإصابة غير دقيق ومجهول، إلا أنّ الصدر المقعر قد يكون ناجمًا عن حالة وراثية معيّنة نظرًا لأنّه يسري في العائلات، كما يعتقد أنّه قد يكون مرتبطًا بالنمو غير الطبيعي للقص والأضلاع، أو حتى بالاضطرابات العضلية الهيكلية كالجنف (انحناء العمود الفقري) ومتلازمة مارفان (وجود نسيج ضام غير طبيعي).

ما هي عوامل خطر الإصابة بالصدر المقعر؟

يزداد خطر حدوث حالة الصدر المقعر في كثير من الأحيان تحت تأثير أحد العوامل التالية:

  • الجنس، رغم أنّه يصيب كلًّا من الذكور والإناث، إلا أنّه أكثر شيوعًا لدى الذكور بثلاث مرات.
  • الإصابة بمتلازمة مارفان.
  • الإصابة بمتلازمة نونان.
  • الإصابة بمتلازمة تيرنر.
  • الإصابة بمتلازمة إهلرز دانلوس.
  • حالة تكوّن العظم الناقص المؤدية إلى هشاشة العظام.

ما هي أعراض الإصابة بالصدر المقعر؟

قد تكون بعض حالات الإصابة لا عرضيةً وعندها تكون العلامة الوحيدة الموجودة لدى المصاب هي مظهر الصدر الغائر، وقد تظهر بعض الأعراض، وتقسم بشكل رئيسي إلى أعراض جسدية ونفسية، وسنقوم بشرح كل منهما.

الأعراض الجسدية

تشمل الأعراض ما يلي:

  • تكون مساحة الصدر لدى المصاب أقل من الطبيعي، مما قد يضغط على القلب والرئتين لديه ويحد من وظائفهم.
  • ضيق في التنفس عند ممارسة النشاطات والرياضة.
  • انخفاض القدرة على تحمّل الحركة والنشاط مقارنة بالشخص الطبيعي.
  • إعياء.
  • ألم الصدر.
  • عدم انتظام وسرعة ضربات القلب (خفقان القلب).
  • التهابات الجهاز التنفسي المتكررة.
  • الصفير أو السعال.
  • النفخات القلبية (أصوات ناتجة عن اضطراب تدفّق الدم).
  • دوخة.

الأعراض النفسية

تتمثل بشكل رئيسي بما يلي:

  • إحراج كبير من مظهر الصدر الغائر.
  • فقدان الثقة والاحترام للذات.

ما هي مضاعفات الإصابة بالصدر المقعر؟

تقسم المضاعفات الناجمة عن الإصابة إلى قسمين رئيسيين وهما:

مشكلات القلب والرئتين

في الحالات الشديدة من تقعّر القفص الصدري وعندما تكون الفجوة عميقة في الصدر، سوف تنقص المساحة التي يجب أن تتوسع فيها الرئتان، كما سينضغط القلب ويندفع إلى الجانب الأيسر من الصدر بشكل كلّي، مما يقلل من قدرته على ضخ الدم بكفاءة، وبالتالي يصبح المصاب غير قادر على تحمّل التمارين، كما يعاني من ضيق في التنفس وسرعة في ضربات القلب، بالإضافة للشعور بألم وضغط في الصدر.

مشكلات نفسية واجتماعية

يعاني المصاب بتقعّر الصدر من مشاكل عديدة مثل فقدان الثقة وعدم تقدير الذات بسبب مظهره الخارجي، حيث يميل المصاب إلى وضعية الانحناء للأمام مع وجود بروز في الأضلاع وبروز في شفرات الكتف (كتف مجنّح)، ونتيجة لذلك يشعر المصاب بالخجل الشديد ويقوم بتجنّب بعض الأنشطة كالسباحة وغيرها مما يؤثر سلبًا على حياته الاجتماعية.

كيف يتم تشخيص الحالة؟

في البداية يجب معرفة التاريخ الطبي الشامل للمصاب بالإضافة للقيام بالفحص البدني وفحص الصدر، وقد يطلب الطبيب بعض الاختبارات الأخرى لتقييم الحالة والتحقق من مشكلات القلب والرئتين وغيرها، وتشمل هذه الاختبارات ما يلي:

  • الأشعة السينية للصدر

يُستخدم هذا الاختبار لتقييم الانخفاض الحاصل في عظم الصدر، بالإضافة إلى أنّه غالبًا ما يظهر انزياح القلب إلى أيسر الصدر.

  • التصوير المقطعي المحوسب CT Scan، أو الرنين المغناطيسي MRI

تأخذ هذه الاختبارات العديد من الصور ومن زوايا متنوعة لإنتاج صور مقطعية لبنية الجسم الداخلية، وتسهم في تحديد شدّة تقعّر القفص الصدري، بالإضافة مدى الانضغاط الحاصل للقلب والرئتين في حال وجوده.

  • تخطيط القلب الكهربائي ECG أو EKG

يستخدم هذا الاختبار للكشف عن أي مشاكل واضطرابات في نظم القلب مثل عدم الانتظام، التسرّع، أو أي خلل في الإشارات الكهربائية المسؤولة عن إيقاع القلب.

  • مخطط صدى القلب Echocardiogram

يستخدم هذا الاختبار الموجات فوق الصوتية لإظهار صورٍ للقلب النابض بشكلٍ مباشر، ويفيد بشكل أساسي في مراقبة جودة عمل القلب وسلامة صماماته، بالإضافة لإلقاء نظرة على تأثير الصدر المقعّر على وظيفة القلب وتدفّق الدم.

  • اختبارات وظائف الرئة PFT

تقيس هذه الاختبارات مدى جودة عمل القلب والرئتين أثناء ممارسة الرياضة.

كيف يتم علاج الحالة؟

يمكن مساعدة الأشخاص الذين تظهر عليهم علامات وأعراض خفيفة من خلال العلاجات غير الجراحية، مثل بعض التمارين المسؤولة عن تحسين وضعية صدر المصاب وزيادة قدرته على التمدد، كما يمكن للمصابين اللا عرضيين في حال عدم الرضا عن المظهر والشكل التحدّث إلى الجرّاح حول عملية وضع حشوة سيليكون تحت الجلد لملء المساحة وتحسين المظهر (بشكلٍ مشابه لعملية زراعة الثدي).

أما عند الحالات المتوسطة والشديدة من الإصابة، فيمكن إصلاح تقعّر الصدر جراحيًا، حيث يمكن تصحيح التشوّه باستخدام تقنية جراحية طفيفة التوغّل تسمى إجراء نوس Nuss Procedure، أو عن طريق الجراحة التقليدية المعروفة باسم إجراء رافيتش Ravitch Procedure، ويكون الطبيب الجرّاح مسؤولًا عن اختيار الإجراء الأفضل للمصاب.

إجراء نوس Nuss

بعد إدخال كاميرا صغيرة في الصدر لتوجيه العملية، يتم إجراء شقّين صغيرين على جانبي الصدر، ويتم إدخال قضيب صلب معدني منحني أسفل عظم القص لتصحيح الانخفاض والتشوّه بمرور الوقت، يتم تثبيت القضيب بجدار الصدر من كل جانب، يُترَك في مكانه لمدة 3 سنوات ثم تتم إزالته.

الصدر المقعر..تشوّه الصدر رقم 1 عالميًا من حيث الانتشار!
صورة شعاعية لإجراء نوس Nuss والقضيب المعدني الموضع في الصدر

إجراء رافيتش Ravitch

ويُعرف باسم الإصلاح الجراحي التقليدي أو المفتوح، ويتضمن إجراء شقّ في الجزء الأمامي من الصدر مع إزالة الجزء الغضروفي من الأضلاع الذي نما بشكل غير طبيعي والمسؤول عن تقعّر الصدر، مما يسمح للصدر بالعودة إلى مكانه الطبيعي إلى الأمام، بعيدًا عن القلب والرئتين، يمكن وضع قضيب معدني خلف عظم القص لمدة تصل إلى 12 شهرًا من أجل تثبيته وتتم إزالته لاحقًا.

مرحلة التعافي ما بعد الجراحة

أمّا ما بعد إجراء الجراحة فقد تم تطوير العديد من خطط التعافي لضمان راحة المريض، منها طريقة جديدة تدعى بالاستئصال بالتبريد Cryoablation.

تهدف هذه الطريقة إلى تقليل الألم الشديد الحاصل بعد إجراء نوس، بالإضافة لتقصير مدّة الإقامة في المشفى وتقليل الحاجة للمسكنات الأفيونية، وذلك عن طريق تجميد الأعصاب الوربية المسؤولة عن حس الألم في جدار الصدر، ومع استخدام التخدير الموضعي ومسكّنات الألم الفموية، تم تقليل درجة الألم وتحسين تجربة المرضى إلى الأفضل.

سابقًا ودون اتباع الاستئصال بالتبريد، توجّب على المرضى الخاضعين لإجراء نوس البقاء في المشفى لمدّة أسبوع مع إجراء تخدير فوق الجافية، يليها عدّة أسابيع من تناول الأدوية الأفيونية بعد الخروج من المشفى، الأمر الذي يشكّل مصدرًا للقلق نظرًا إلى أنّ هذه الأدوية قد تزيد من خطر الإدمان.

أمّا مع الاستئصال بالتبريد، يستطيع معظم المرضى العودة إلى المنزل في اليوم التالي للجراحة، كما قد لا يحتاج بعض المرضى إلى أي مواد أفيونية مسكّنة وريدية أو فموية في المشفى، وحتى عند الحاجة لهذه الأدوية سيتوقّف المرضى عن استخدامها في غضون يوم إلى يومين.

فيديو قصير يوضح إجراء Nuss لتصحيح تقعّر الصدر مع اتباع الاستئصال بالتبريد للأعصاب الوربية

ما هي فوائد وإيجابيات الإصلاح الجراحي لحالة الصدر المقعر؟

الهدف الأساسي من إصلاح تقعّر الصدر هو تخفيف الضغط على القلب والرئتين والذي قد يضعف الوظيفة، مما يؤدي إلى تحسين التنفس وقدرة التحمّل وألم الصدر.

وفي المرضى الذين تتمثّل مشكلتهم الرئيسية في المظهر غير الطبيعي للصدر، كانت العملية ذو تغييرات إيجابية وجذرية من ناحية احترامهم لذاتهم وثقتهم بأنفسهم، كما قد أسهمت في شفاء الاكتئاب الناجم عن الحالة وبالتالي التوقّف أيضًا عن تناول أدوية الاكتئاب.

عمومًا تتمتع كل من عمليتي نوس ورافيتش بنتائج ممتازة، ويكون معدّل تكرار حدوث حالة الصدر المقعر أقل من 1% لكِلا الإجراءين.

ما هي المخاطر المحتملة للإصلاح الجراحي؟

ينطوي الإصلاح الجراحي لتقعّر الصدر على بعض المخاطر كغيره من العمليات الجراحية، وفي حين أنّ إجراء نوس وإجراء رافيتش آمنان وفعّالان، من الممكن أن تحدث المضاعفات رغم ندرتها، وتشمل ما يلي:

  • استرواح الصدر (تراكم هواء في الحيّز الجنبي حول الصدر).
  • نزيف.
  • انصباب الجنب (تراكم سائل حول الرئة).
  • حدوث عدوى.
  • انزياح القضيب المعدني المستخدم في العملية.
  • تكرار حدوث حالة الصدر المقعر بعد إزالة القضيب المعدني.
  • إصابة الأعضاء والبُنى المحيطة في الصدر.

هل سيؤذي عدم الخضوع لعملية إصلاح جراحي للصدر المقعر المريض أو يحد من متوسط عمره المتوقّع؟

لا يوجد دليل على أنّ تقعّر القفص الصدري يحد من متوسط العمر المتوقّع، أو يسبب ضررًا تدريجيًا للقلب والرئتين بمرور الوقت.

ولكن من الممكن أن تزداد الأعراض سوءًا مع التقدّم بالعمر بشكل طبيعي، غالبًا بسبب الشيخوخة والصعوبات المتزايدة في تعويض الإعاقات الوظيفية المرتبطة بحالة الصدر المقعر، ومع ذلك هذا لا يعني زيادة خطر حدوث ضرر.

هل من الممكن الجمع ما بين عملية جراحية قلبية معينة وعملية إصلاح تقعّر الصدر؟

نعم، وقد استطاع الأطباء إجراء عملية إصلاح تقعّر الصدر بشكلٍ مشترك مع عملية جراحية للقلب وبنتائجٍ ممتازة.

متى يجب طلب المساعدة الطبية؟

يجب على المرضى طلب المشورة الطبية عند اختبارهم لأعراض جسدية أو حتى نفسية ناجمة عن الصدر المقعر.

أخيرًا يجب التأكيد على أنّ المصابين من المراهقين يريدون فقط أن يشبهوا أقرانهم ويتأقلموا مع حالتهم، وقد يكون ذلك صعبًا بالنسبة لهم، مما يتطلّب من المحيط تقديم الدعم لهم وتعزيز ثقتهم بأنفسهم، بالإضافة لطلب المساعدة الطبية لتحديد الخيار العلاجي المناسب لكل مريض.

المصادر

د. رزان عرب حمو
د. رزان عرب حمو

طالبة طب بشري ومسعفة حاصلة على شهادتين بالإسعافات. مترجمة متقنة للغة الإنجليزية شاركت ضمن عدّة أحداث مثل Hult Prize Damascus University وTEDx AlAmal Street. أهم أهدافي هي نقل الثقافة الطبية الصحيحة والمعلومات بأسهل وأبسط الطرق لمختلف الأشخاص.

المقالات: 35

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة + اثنا عشر =