اكتئاب ما بعد الولادة – خطر يتربّص بكل أم!

إن إنجاب طفل لهذه الحياة يجلب الكثير من المشاعر! مثل الحب، الفرح، الحماس، الإحباط، العصبية، وغيرها من المشاعر التي تمرّ بها الأم بعد إنجاب طفل جديد.

فما يحدث عند الولادة هو ارتفاعات وانخفاضات في مزاج الأم خلال الأسابيع بل وحتى الأشهر الأولى من الولادة، وذلك نظرًا للتغيّرات الجسدية والنفسية والعاطفية التي تمرّ بها.

قد يطغى عند بعض الأمهات مشاعر الاكتئاب والقلق والإحباط بدلًا من الفرح والاحتفال بالمولود الجديد، وذلك ليس بإرادتها فهو ينجم عن أسباب سنتناولها لاحقًا.

ما هو اكتئاب ما بعد الولادة؟

اكتئاب ما بعد الولادة Postpartum Depression هو مزيج معقد من التغيرات الجسدية، العاطفية والسلوكية التي تحدث لدى بعض النساء بعد الولادة.  

وفقًا للدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM-5) وهو دليل يستخدم لتشخيص الاضطرابات العقلية، فإن اكتئاب ما بعد الولادة هو شكل من أشكال الاكتئاب الشديد الذي يبدأ في غضون 4 أسابيع بعد الولادة تقريبًا. 

ما هي أعراض اكتئاب ما بعد الولادة؟

تتشابه أعراض اكتئاب ما بعد الولادة مع أعراض الاكتئاب،  وتشمل ما يلي:

  • الشعور بالحزن أو انخفاض المزاج.
  • البكاء كثيرًا.
  • الشعور بالقلق المستمر.
  • عدم القدرة على الاستمتاع بالأشياء التي عادةً ما تجلب المتعة والسعادة.
  • التعب أو فقدان الطاقة.
  • ضعف التركيز أو الانتباه.
  • تدنّي احترام الذات والشعور بانعدام القيمة والثقة بالنفس.
  • حدوث اضطرابات في النوم، حتى عندما يكون طفلك نائماً.
  • وجود تغيّرات في الشهية.
  • الإصابة بالصداع المزمن، أو وجود مشاكل في المعدة.
  • انخفاض الرغبة الجنسية.

قد تشعرين بالانفصال العاطفي عن طفلك أو شريكك، وقد تراودك أفكار حول إيذاء نفسك أو طفلك، قد يكون من المخيف جدًا أن يكون لديك أفكار لإيذاء طفلك لكن تذكري أن هذا لا يعني أنّك ستؤذيه بالفعل، فاكتئاب ما بعد الولادة لا يعني أنك أمّ سيئة، فهو ليس خطأك وعليك تفهّم هذا من بداية رحلة العلاج الخاصّة بك.

كلما أسرعت في التحدّث مع شخص ما عن أفكارك ومشاعرك كصديق أو قريب ومن ثمّ قمت بالذهاب إلى الطبيب، كلما تمكّنت من الحصول على المساعدة التي تحتاجينها بشكلٍ أسرع.

متى تبدأ أعراض اكتئاب ما بعد الولادة؟

تبدأ الأعراض غالبًا بعد أسبوعين إلى ثمانية أسابيع من الولادة ويمكن أن يحدث بعد مرور عام عن ولادة الطفل، وهذا ما يميّز اكتئاب ما بعد الولادة عن أحزان ما بعد الولادة، فأحزان ما بعد الولادة غالبًا ما تظهر في اليوم الثالث بعد الولادة وتنتهي في اليوم العاشر.

ما هي أسباب اكتئاب ما بعد الولادة؟

حتى الآن لا يوجد سبب مؤكّد للاكتئاب بعد الولادة، فهناك حاجة إلى مزيد من الأبحاث لتحديد العلاقة بين الانخفاض السريع في الهرمونات بعد الولادة والاكتئاب، فلارتفاع مستويات هرموني الأستروجين والبروجسترون خلال فترة الحمل وانخفاضهما السريع والحاد بعد الولادة دور في حدوث الاكتئاب.

وبالإضافة إلى هذه التغيرات الكيميائية، فإن التغيرات الاجتماعية والجسدية والنفسية المرتبطة بإنجاب طفل تزيد من خطر الإصابة باكتئاب ما بعد الولادة.

وقد تساهم التغيّرات الحياتية التالية في الاكتئاب:

  • قلة النوم: فالإرهاق والحرمان من النوم يجعلان الشخص مشوّش وغير قادر على التعامل حتى مع المشكلات البسيطة.
  • القلق: قد يكون قلقُ الأم بشأن قدرتها على رعاية المولود الجديد سببًا في اكتئابها.
  • الصورة الذاتية للجسم: فالتغيّرات التي تظهر على الجسم خلال الحمل وبعد الولادة قد تسبب شعور الأم بأنها أقلّ جاذبية والذي يمكن أن يساهم في اكتئاب ما بعد الولادة.

ما هي مضاعفات اكتئاب ما بعد الولادة؟

يمكن أن يؤدي اكتئاب ما بعد الولادة الذي لا يتم علاجه إلى إضعاف قدرتك على الارتباط العاطفي بطفلك، ويؤثر ذلك على الأسرة بأكملها! فأول من سيتأثر بهذه المشكلة هو أنتِ، حيث يمكن أن يستمر اكتئاب ما بعد الولادة الذي لا يتم علاجه لعدة أشهر أو أكثر، وقد يتحوّل حتى إلى اضطراب اكتئابي مزمن.

يمكن أن يتأثر أيضًا والد الطفل، فعندما تصاب الأم بالاكتئاب قد يكون الأب أكثر عرضةً للإصابة بالاكتئاب أيضًا.

قد تظنين أن هذا غريبًا، لكن طفلك سيتأثر أيضًا باكتئابك إذا لم يُعالج، فيكون أكثر عرضةً لاضطرابات النوم، الأكل والبكاء أكثر من المعتاد، بالإضافة إلى تأخر في تطوّر اللغة، كما وقد يعاني طفلك أيضًا من ضعف المهارات الاجتماعية في المستقبل.

كيف يتمّ تشخيص اكتئاب ما بعد الولادة؟

يجب على الأشخاص الذين يعانون من أعراض اكتئاب ما بعد الولادة لأكثر من أسبوعين خلال السنة الأولى من الولادة التواصل مع الطبيب لإجراء فحص اكتئاب ما بعد الولادة.

يعد ذلك سيتمكّن الطبيب من تقييم الأعراض والتاريخ الطبي للوصول إلى التشخيص، لذا سيسأل عن أعراض الاكتئاب، اضطرابات النوم، انخفاض الطاقة والمشاعر، التقلبات المزاجية، التهيّج وغيرها.

كيف يتمّ علاج اكتئاب ما بعد الولادة؟

إذا كان لديكِ أعراض اكتئاب ما بعد الولادة، فيجب عليكِ التواصل مع الطبيب في أقرب وقتٍ ممكن لبدء العلاج.

يمكن أن يشمل علاج اكتئاب ما بعد الولادة تناول الأدوية، العلاج النفسي، ومجموعات الدعم، وعادةً ما يكون الجمع بين الأدوية والعلاج النفسي هو الوسيلة العلاجية الأكثر فعالية.

العلاج الدوائي لاكتئاب ما بعد الولادة

تعتبر مضادات الاكتئاب من أكثر الأدوية الشائعة، فيمكن أن تساعد هذه الأدوية في التخفيف من العديد من أعراض الاكتئاب، لكن مشكلة هذه الأدوية أنها تستغرق من 6 إلى 8 أسابيع لتقوم بإظهار النتائج بشكل كامل.

تشمل مضادات الاكتئاب كلّا من:

  • مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs): وتشمل الباروكسيتين (باكسيل)، والفلوكستين (بروزاك)، والسيرترالين (زولفت).
  • مضادات الاكتئاب غير النمطية: قد تساعد في علاج الاكتئاب الذي لا يستجيب لمثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية، وتشمل البوبروبيون (ويلبوترين)، نيفازودون (سيرزون).
  • مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات.
  • مثبطات أوكسيديز أحادي الأمين.  
  • البريكسانولون: يتم إعطاؤه من قبل الطبيب وبمراقبة دقيقة، يُعطى وريديًّا على مدار 60 ساعة، غالبًا ما يوصَف للمرضى الذين لا يستجيبون للعلاجات الأخرى.

جميع مضادات الاكتئاب يمكن أن تسبب آثارًا جانبية، والتي قد تختلف في شدتها بحسب الزمرة الدوائية المُستخدمة.

العلاج الهرموني

كما ذكرنا؛ تعدّ التغيرات الهرمونية في الجسم من أسباب اكتئاب ما بعد الولادة بحسب افتراضات الباحثين الحديثة، فبعد ولادة الطفل تنخفض مستويات الهرمونات الجنسية الأستروجين والبروجستيرون بشكل كبير، ونتيجةً لهذه الأسباب قد يلعب العلاج الهرموني دورًا في إدارة اكتئاب ما بعد الولادة.

العلاج النفسي

لقد وجدت الدراسات أن نوعًا معينًا من العلاج النفسي ويسمى العلاج السلوكي المعرفي (CBT) يمكن أن يحسّن بشكل كبير أعراض اكتئاب ما بعد الولادة. 

ويتضمّن العلاج السلوكي المعرفي التعلّم واستخدام التقنيات والاستراتيجيات التي تمكنّ الأم من تغيير أنماط التفكير، التعرف على مشاكل التفكير، واستخدام مهارات حل المشكلات للتعامل مع المواقف الصعبة، مع تطوير ثقة أكبر في قدرات المريضة الخاصّة.

العلاجات الطبيعية

يعدّ اكتئاب ما بعد الولادة حالة خطيرة ومنهكة، ويجب ألا تحاول علاجه دون مساعدة طبيب مختص، لكن العلاجات المنزلية مثل تناول نظام غذائي صحي، ممارسة التمارين الخفيفة، وقضاء الوقت في الطبيعة قد تساعد على الشعور بالتحسن، خاصةً عند استخدامها إلى جانب العلاجات التقليدية الأساسية كالأدوية والعلاج النفسي.

الرعاية الذاتية

يمكن أن يسبب اكتئاب ما بعد الولادة الإرهاق والعزلة، لذلك من المهم أن تخصص المريضة وقتًا لنفسها وتتواصل مع العائلة والأصدقاء وتطلب المساعدة منهم عندما تحتاج إليها، كما أن الانضمام إلى مجموعات الدعم يمكن أن يساعد أيضًا.

هل يمكن الوقاية من اكتئاب ما بعد الولادة؟

لا يمكن الوقاية من اكتئاب ما بعد الولادة بشكل تام، لكن بإمكاننا إعطاؤك بعض النصائح العامّة:

  • كوني واقعية بشأن توقعاتك لنفسك ولطفلك.
  • لا تستقبلي الكثير من الزوّار عند عودتك للمنزل بعد الولادة.
  • اطلبي المساعدة وأخبري محيطك عن كيفية مساعدتهم لك.
  • قومي بأخذ قسطٍ من الراحة عندما ينام طفلك.
  • حاولي ممارسة الرياضة، فمثلًا قومي برياضة المشي واخرجي من المنزل لقضاء وقتٍ لمفردك.
  • اتبعي نظامًا غذائيًا معقولًا؛ وحاولي تجنّب الكحول والكافئين.
  • لا تعزلي نفسك عن المحيط، تواصلي مع عائلتك وأصدقائك كلّما سنحت لك الفرصة.
  • حاولي عدم إهمال شريك حياتك، صحيح أن وجود مولود جديد يأخذ أكثر الوقت، لكن حاولي أن تخصصي وقتًا مع شريكك لبعضكما البعض.

وإذا كنتِ حاملاً أو تفكرين في الحمل، فتحدّثي إلى الطبيب الخاص بك أولًا في حال:

  • كان لديك تاريخ مرضيّ من الاكتئاب أو مشاكل الصحة العقلية. 
  • عانى أحد أفراد عائلتك من مشاكل في الصحة العقلية بعد الولادة (على سبيل المثال، والدتك أو أختك)

أسئلة شائعة حول اكتئاب ما بعد الولادة

هل اكتئاب ما بعد الولادة أقل خطرًا من أنواع الاكتئاب الأخرى؟

لا، في الواقع إنه خطير مثل أنواع الاكتئاب الأخرى.

هل حقًا اكتئاب ما بعد الولادة ينجم عن التغيّرات الهرمونية؟

لا، في الواقع ينجم عن العديد من العوامل المختلفة، ومنها التغيرات الهرمونية التي تلعب دورًا مهمًّا (وليس وحيدًا) في ذلك.

هل يمكن أن يذهب اكتئاب ما بعد الولادة وحده؟

لا، فهو ليس حالة أحزان ما بعد الولادة (هذه الحالة تشفى لوحدها غالبًا وتستمر لأيام فقط بعد الولادة)، فيمكن أن يستمر اكتئاب ما بعد الولادة لعدة أشهر إذا ترك دون علاج، وفي أقلية من الحالات يمكن أن يصبح مشكلةً طويلة الأمد!

كلمة من طب بيديا

إذا كنتِ تعانين من اكتئاب ما بعد الولادة، فاعلمي أنك لست وحيدة، وأن ما يحدث ليس خطأك، فالطبيب موجود لمساعدتك لتخطّي هذه الحالة والشعور بالتحسّن.

لذا لا تلومي نفسك، واخرجي من دائرة جلد الذات وتأنيب النفس، فكما ذكرنا ما يحدث ليس خطأك، طب بيديا يتمنى لكِ الشفاء وحياة أفضل مع مولودك وعائلتك.

المراجع

د. ماسه الفوال
د. ماسه الفوال

ماسه الفوال طالبة طب بشري في جامعة دمشق، أحب كتابة وصناعة المحتوى خصوصًا المتعلق بالأمراض النفسية والصحة النفسية والأمراض العصبية، أستطيع إضافة لمسة إبداعية لكل ما أراه.

المقالات: 39

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

سبعة عشر − 8 =